إلى خريجي كلية الحقوق

فيسرني أن أتقدم إليكم وإلى ذويكم بالتهنئة والمباركة وأنتم تعتلون اليوم منصة التخريج؛ لتتوجوا ثمرة جهدكم وبذلكم ومسيرتكم الأكاديمية، فبكم وبزملائكم تستمر المسيرة ويعلو البنيان.

أبنائي ...
 
وأنتم تنتقلون مع بزوغ فجر هذا اليوم من مرحلة التعليم والإعداد، إلى مرحلة العمل والدفاع عن الحقوق والحريات وفق أحكام القانون؛ فإنه يطيب لي أن أقول لكم
 
1-   أنتم حماة القانون فدافعوا عنه واحرصوا على حسن تطبيقه بعدالة، وإعمال مبدأ سيادة القانون التي أكد عليها جلالة الملك المعظم في ورقته النقاشية السادسة التي تشكل مع باقي الأوراق النقاشية لجلالته مرجعية يجب العمل وفقها، بما تضمنته من قيم سامية ومُثل عليا.
 
2-   يغلب أن تكون وجهتكم القضاء أو المحاماة أو أعمال أخرى تتعلق بتطبيق القانون، وجميعها أعمال على درجة عالية من الأهمية، لأنها تتعلق بحقوق الناس وتطبيق أحكام القانون بحقهم، الأمر الذي قد يستوجب عقوبات سالبة للحرية أو الإعدام، وفي مجال الحقوق قد يكون الحكم بمبالغ طائلة قد تصل الملايين؛ وهذا يعني الحرص والفهم والدقة في تطبيق أحكام القانون وأن تبرّوا بالقسم والعهد ، فلا نظلم بريئا، لأنكم تعلمتم أن ينجو (50) مجرما من العقاب، خير من أن يعاقب بريء واحد.
 
3-   رحلة التعلم لا تتوقف عند مرحلة دراسية أو عمرية بعينها، ولا بدّ من مواكبة كافة الدراسات والأبحاث القانونية، والاطلاع على كافة التعديلات التشريعية للعمل على تطبيقها، والمساهمة في إرساء قواعد العدالة والإنصاف.
 
4-    الارتقاء بلغة الحوار وقبول الرأي والرأي الآخر، يجب أن تكون لكم منهج حياة، وطريقة عمل وممارسة، فلا يستطيع شخص أيّاً كان أن يزعم بأنه يحوز الحقيقة والمعرفة دون سواه، وأنه صاحب القول الذي لا يأتيه الباطل، ولا يشوبه الخطأ، ولا يكتنفه النقص، ولا يحيطه الغموض، وأن قوله لا قبله ولا بعده، فإذا صادفكم مثل ذلك، فاعرضوا عن الحوار معه؛ لأن في ذلك مضيعة للوقت، وإنقاص للقدر، وذهاب للعقل.
 
5-    كونوا القدوة والمثل في تطبيق القانون، وساهموا في نشر الوعي القانوني في محاولة للتصدي لكثير من المشاكل التي تواجه المجتمع، مثل ظاهرة إطلاق العيارات النارية، ومخالفات السير، والعنف المجتمعي، وغيرهامن الجرائم، وما ينجم عن ذلك من إضرار في الأرواح والممتلكات.
 
6-    لقد شهد العالم ثورة كبيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، والأصل أن تكون هذه الوسائل لخدمة البشرية وتقديم كل ما هو مفيد للإنسانية والعالم، إلا أننا نواجه تحديا كبيراً في سوء استخدامها من قبل بعض الأشخاص تصريحاً أو تلميحاً، وما يشكل ذلك من إساءة للآخرين وقدح في كراماتهم، واغتيال لشخصياتهم وتدخل في خصوصياتهم، مما يؤثر سلباً على بنيان المجتمع ويفقده المودة والرحمة والتعاطف والسكينة والأمن، ويمسُّ بقيم تربينا عليها، وأسهمت في بناء المجتمع وقيمه المتمثلة في حسن الجوار والنخوة والأصالة والمحبة، ليحل محلها مجتمع الكراهية والبغضاء وانتشار الجريمة وفساد العلاقات. وقد تنبه جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين لهذه المشكلة، وتحدث عنها في مقالة له بعنوان " منصّات التواصل أم التناحر الاجتماعي؟ "؛ لذا تصبح مسؤوليتكم كبيرة في نشر ثقافة العدالة، والتوعية من مخاطر هذه الوسائل، وما ينتج عن استخدامها من جرائم. وإن صمت بعضهم عن ما يكتب ويقال ويشاع لا يعني القبول به؛ وبأنها أصبحت فعلاً مشروعاً.
 
7-    إن هذا الحمى العربي الهاشمي موئل الأحرار، ووارث النهضة العربية الكبرى، قدّم للأمة العربية أكثر مما يحتمل ويستطيع، فكان دوماً بموقفه الرسمي والشعبي محط الأمل ومعقد الرجاء، وطناً في حجم بعض الورد في حواضره وأريافه وبواديه ومخيماته، وإنه الأجمل بصحرائه وسهوله وجباله بدحنونه وغاباته بشيحه وقيصومه، يستحق أن نعشقه كما عشق الآخرون أوطانهم، وأن ننهض به بما يليق به وبنا. ومن حقه أن نكون الأوفياء له بالحفاظ على مقدراته، وأن نعمل كُلّاً في موقعه بتقديم الأفضل والأسمى والأجمل له.

والله ولي التوفيق.