الأمير الحسن بن طلال: مبدأ سيادة القانون هو أساس الحوكمة

 
مندوبا عن سمو الأمير حسن بن طلال رعى رئيس مجلس أمناء الجامعة الاردنية الاستاذ الدكتور عدنان بدران حفل افتتاح المؤتمر الشرق الاوسط الاول حول سيادة القانون والدين: رسالة عمان في عالم متغير" الذي تنظمه كلية الحقوق بالجامعة الاردنية بالتعاون مع المركز الدولي للقانون والدراسات الدينية في جامعة بريجام يونغ الامريكية اليوم الاحد ، وحضره رئيس الجامعة الاردنية الاستاذ الدكتور عزمي محافظة ومفتي عام المملكة سماحة الدكتور محمد الخلايلة وشخصيات سياسية وعلماء في القانون والشريعة الاسلامية ومفكرين وباحثين.
وقال سمو الأمير الحسن بن طلال في الكلمة التي القاها نيابة عنه الدكتور عدنان بدران إن مبدأ سيادة القانون هو أساس الحوكمة وبموجبه يخضع جميع الأشخاص، بما في ذلك الدولة لحكم القانون، وهو يلعب دوراً محورياً في تحقيق السلام الدائم والاستقرار والتنمية في المجتمعات، ولا عجب ان يتصدى للبحث في هذا الموضوع اليوم كل من الجامعة الأردنية وكلية الحقوق فيها والمركز الدولي للقانون والدراسات الدينية في جامعة برجهام يونغ الأمريكية، التي تحرصُ على نشر ثقافة سيادة القانون وحقوق الإنسان في المجتمعات المحلية وعلى صعيد العالم على حد سواء. 
 
وأشار سمو الاميرإلى أن الشرائع السماوية بوأت الإنسان أسمى مكانة، وتركز الديانة المسيحية على كرامة الإنسان وعلى المساواة بين الجميع، وذلك على اعتبار أنهم أبناءُ الله، ووضعت هذه الديانة حجر الأساس لتقييد السلطة التي لم تتقرر إلا لخدمة الإنسان، ويتوجب عليها بالتالي احترامه، أما الشريعة الإسلامية والتي يخضع لها كل من الحاكم والمحكوم فقد كرمت الإنسان أيما تكريم، وقد أعلى الإسلام قدر الإنسان، لمجرد كونه انساناً بصرف النظر عن جنسه أو لونه، وكان " دستور " أو " صحيفة المدينة"، الذي كتبه الرسول صلى الله وعليه وسلم في السنة الأولى للهجرة إلى المدينة المنورة أي عام 623م، أول دستور مدني في التاريخ، يعترف بالتنوع والتعددية، ويعتمد مبدأ المواطنة الكاملة، وقد اعتبره الكثيرون انجازاً مهماً للدولة الإسلامية ومعلماً رئيسياً في تاريخها السياسي. 
وبين ان صحيفة المدينة مثال على إعلاء قيم التعايش السلمي بين المسلمين وغير المسلمين، القائمةِ على حرية المعتقد وحرية المِلكية ومبادئِ الأخوة والتعاون، وفيها نقرأ "وأن يهود بني عَوفْ أمةٌ مع المؤمنين، لليهودِ دينُهم وللمسلمينِ دينُهم".
 وفي العهدة المحمدية للمسيحيين، أعتبر الرسولُ صلى الله وعليه وسلم من يؤذي المسيحيين أو يخرقُ الضماناتِ التي منحَهْم إياها، ناكثاً لعهد الله ومستوجباً للعنته "سلطاناً كانَ أو غَيرهُ من المؤمنين"، مؤكدا ان رسالة عمان التي أُعتمدتْ في رمضان المبارك 1425 هـ تشرين الثاني/نوفمبر 2004 ميلادية تضمنت الدعوة إلى تبني المنهج الإسلامي الذي يقومُ على احترامِ حقوق الإنسانِ وحرياتِه الأساسية، وتأكيدِ حقِّه في الحياةِ والكرامةِ والأمنِ وضمانِ حاجاتِه الأساسية، وإدارةِ شؤونِ المجتمعات، وفقَ مبادئِ العدل والشورى والاستفادةِ مما قدمهُ المجتمعُ الإنساني من صيغِ وآليات لتطبيق العدالة.
 كما اشتملت الرسالة على حلولٍ اسلاميةِ متوازنةٍ للقضايا الرئيسية مثلَ حقوقِ الإنسانِ وحرياتِه، فالإسلام شأنه في ذلك شأن سائر الأديان ينبذ التطرف الإرهابي والغلوَّ والعنف، ويتفق الفكرُ القانوني الإسلامي في أصولِه مع مفهومِ سيادةِ القانون، ويدخلُ تعزيزُ سيادةِ القانون في صميمِ رسالةِ عمان، ولعل ذلك كلهُ خيرُ شاهدٍ على أن المنظومةَ الدوليةَ لحقوق الإنسان ليست بدعة، ولا هي نبتاً ثقافياً غربياً مستورداً، كما قد يتصورُ البعض، وهي لا تتعارضُ مع الموروث الديني والثقافي والاجتماعي للأمة العربية. 
وتركزُ الورقةُ النقاشية السادسةِ الموسومة بــ " سيادةُ القانون أساسُ الدولة المدنية " التي أطلقَها جلالةُ الملك عبد الله الثاني، على مبدأ سيادة القانون، الذي أسفرَ غيابُه عن نزاعاتٍ وحروبٍ وانهيارِ دولٍ ومجتمعات وعواقبَ وخيمة على دول الإقليم، وكان عاملاً رئيسياً في الوصولِ إلى الحالةِ الراهنة التي لا تسرُّ أحدا، وأضحى مبدأُ سموِّ الدستور اليوم من المبادئ المسلم بها، وهو يُعدُ أحدَ مظاهرِ مبدأِ سيادة القانون وفي النتيجةِ الدولةِ القانونية، وهذا المبدأ حاضر منذ اعتماد القانون الأساسي لإمارة شرق الأردن في عام 1928، مروراً بدستور الاستقلال في عام 1946، ودستور المغفور له جلالة الملك طلال طيب الله ثراه في عام 1952، والتعديلات الدستورية التي حمل لواءها جلالة المغفور له الملك الباني الحسين بن طلال، وصولاً إلى التعديلات الدستورية الأخيرة في عام 2011م والتي حمل لواءها جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، التي تضمنت إنشاءَ المحكمة الدستورية لأول مرة في تاريخ الأردن. 
وأضاف "لا نبالغُ إذا قلنا إنَّ الدستورَ الأردني والتعديلاتِ الدستورية اللاحقةِ عليه والتي قَبلتْ بشكل متزايد المعاييرَ الدوليةَ لحقوق الإنسان المعبر عنها في الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان قد استجابِ لمعاييرِ الدستورِ الديمقراطي إعداداً وشكلاً ومضموناً، وتشيرُ الورقةُ النقاشيةُ السادسةُ إلى مبدأ سيادة القانون باعتباره الأساسَ الذي تقومُ عليه الدولةُ المدنية التي يكونُ الهمُّ الأولُ لها خدمةَ مواطنيها وحقوقهم، والذي تبنى عليه الدولةُ الديمقراطية، فضلاً عن أنه الضامنُ لحقوقِ الإنسان الفردية والجماعية، وهو متطلبٌ لا غنى عنه لأي عمليةِ تحولٍ ديمقراطي جديرة بهذا الاسم، وهو يقومُ على خضوعِ الجميعِ أفراداً وجماعات، للقانون الذي يحكم كافة جوانبِ الحياة، وتطبيقهِ على قدمِ المساواة على الجميعِ حكاماً ومحكومين بدون تمييز أو انتقائية.
 وكما سبق لنا القولُ في الجلسةِ الحوارية لمنتدى الفكر العربي حول مضامين الورقةِ النقاشيةِ الملكية السادسة في 17 شباط 2017، فإن ورقةَ جلالة الملك ارتكزتْ على مفهومِ سيادةِ القانون كضمانٍ للحقوق وتعزيزِ العدالة الاجتماعية وأساسِ الإدارة الحقيقية. وقد تضمنتْ الورقةُ بعدين هما "سيادةُ القانون أساسُ الدولة المدنية" و "سيادةُ القانون أساسُ الإدارة الحصيفة"، وهذان مرتكزان يقودان إلى الدولةِ المدنية التي تحتكمُ إلى الدستورِ والعقلانية وترسيخِ المؤسسية.
وتقاسُ ديمقراطيةُ الدولةِ اليوم بمدى احترامِها للحقوق والحريات التي عُنيَ المفكرونَ والفلاسفةُ على مرِ العصور بالتنظير لها والمطالبةِ بصونِها، وأسهَمتْ الشرائعُ السماويةُ في ترسيخِها وجعلت من مراعاتِها واجِباً دنيويا ودينياً في آن واحد. 
وأكد انه من الضروري كما ذَهبَ الإعلانُ العالمي لحقوق الإنسان أن يتولى القانونُ حمايةَ حقوقِ الانسان لكيلا يضطرَ المرءُ آخرَ الأمر إلى التمردِ على الاستبداد والظلمِ. ولم تغب هذه المسألة عن منظومتنا التشريعية، إذ يُشترط في القانون الذي لا شيء يسمو عليه كما قال ميثاق منظومة النزاهة الوطنية وخطته التنفيذية اللتين أطلقهما جلالة الملك، أن يكون محكوماً باعتبارات العدل والحرية والمساواة مشيرا الى ان الوطنَ العربي يعيشُ ظروفاً استثنائية لا يُحسدُ عليها، وإن مجتمعاتِنا العربيةِ مبتلاةٌ بالحروب والصراعات والانقسامات من كل حدب وصوب وبغيابِ ثقافةِ قبولِ الآخر، وهي بحاجةٍ إلى قيمِ الحوارِ والتسامحِ والتعايشِ، فهذه قيمٌ حَثتْ عليها الشرائعُ السماوية قبلَ أن تُثبّتَ رسمياً في الدساتير الوطنية والمواثيقِ الدولية لحقوق الإنسان.
 
وهذا المعطى هو ظاهرةٌ صحيةٌ في حد ذاته، إلا أنه للأسف يتحولٌ في كثيرٍ من الأحيان إلى بؤرٍ للتوترِ وللتعصبِ كما شهدنا ونشهدُ في عددٍ من الأقطار العربية. وأكد أنه نتيجةً لمعاناة بعض الدول العربية، وعلى مدارِ الساعة، من انتهاكات صارخة لحقوقِ الإنسان ومن حروبٍ داخلية تعرّضُ وحدةَ ترابِها الوطني للخطرِ، يستمرُ الملايُين من أبناءِ تلك الدول في الهروبِ من ديارهمِ طلباً للسلامة. وقد وجَدَ هؤلاءِ في الأردن الحُضنَ الدافئ، ولعل ذلك يُعزىَ من بين أسبابٍ أخرى، إلى حضورِ مبدأِ سيادةِ القانون في المملكة، والحرصِ على إرساءِه منذ عهِد الأجداد والآباء المؤسسين، وعهدِ الباني جلالةُ الملكِ الحسين بن طلال طيب الله ثراه، واستمراراً في عهد جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين، وهي مراحلُ ممتدةٌ من العملِ والعِطاء لم تتوقف.والمطلوبُ هو بناءُ المجتمعات العربية التي مزقَتَها الحروبُ والفوضى والتشظي والعنف وتنامي ظاهرةِ التطرفِ والإرهابِ على أساسِ المواطنةِ الحقه التي لا تميز بين مكوّنِ وآخرِ أو بين فردٍ وآخر في المجتمع ولا تتعصب لهذا أو ذاك. 
وعلى تلك الدول أن تقيّمَ من جديدٍ مبدأَ سيادةِ القانون فيها، وتُسوّي تجاوزاتِ الماضي الواسعةِ النطاق، والتمسكِ بالواجباتِ المدنية والوطنية في مقابلِ الخلافات والمصالحِ الضيقة. إننا كما سبق لنا القول في مناسبة أخرى في زمن صعب نحتاج فيه لاستفادة الفكر التنويري الذي يضع العرب في المكانة التي يستحقونها فكراً وعلماً وحضارة. وقد أحَسنتْ التعديلاتُ الدستورية الأخيرةُ عندما وضَعتْ ضوابطَ للقوانينِ المقيدة للحرياتِ، فاشترطَتْ ان لا تؤثرَ على جوهرِ الحقوقِ والحرياتِ أو تمسَّ أساسياتِها (المادة 128 من الدستور). 
 
 
وأكد سموه أن الاردن يواجهُ أوضاعاً أقلَّ ما يقالُ فيها أنها صعبة. ولكنَّ الأردنُ تمكنَّ بنجاح دائماً من تجاوزِ الأزماتِ وتخطيِها. وقد ظلَّ دوماً حريصاً على مواصلةِ عملية الإصلاحِ السياسيِ والدستوريِ التي ينبغي أن تبقى مستمرةَّ لكي تأتي تلك العمليةُ بثمارها، ويتلمسُ الفردُ نتائجَها على أرض الواقع ونحن اليوم بحاجةٍ إلى إحياءِ العَقدْ الاجتماعي الذي تجلَتْ أبهى صورهِ من خلال الدستور الأردني لعام 1952 والى تفعيلِ المجتمعِ المدنيِ الذي لا تكتملُ الديمقراطيةُ الدستوريةُ بدونه. وقد يكونُ هناكَ ثَمةَّ حاجةٍ ، إلى إضافةِ صلاحياتِ أخرى للمحكمةِ الدستورية وإلى افساحِ المجالِ لمؤسساتِ المجتمع المدنيِ للتعاملِ مع المحكمةِ وعدم حَصرِ الأمرِ بالحكومة والنواب والأعيان. 
 بدوره قال عميد كلية الحقوق بالجامعة الاردنية ان انعقاد المؤتمر جاء على غرار المؤتمر الذي عقد في جامعة بريجام يونغ الامريكية في وقت سابق وفي ضوء الربط المتكرر للقانون والدين في العديد من الخطابات الملكية في الآونة الاخيرة وعلى رأسها رسالة عمان والورقة النقاشية الملكية السادسة حول سيادة القانون، مؤكدا ان من أهم واجبات كلية الحقوق تعزيز مفهوم سيادة القانون من منطلق ان سيادة القانون هو أساس الدولة المدنية ، وسيادة القانون تعني بأبسط صورها تعزيز مبادئ العدالة والمساواة بين مواطني الدولة دون تمييز بينهم. 
واضاف القضاة ان الدين في أي دولة هو مكون أساسي في بناء منظومة الاخلاق والقيم، وباتت الحاجة ملحة للتأكد من الفهم الصحيح والامثل للقاعدة الدينية لاستعمالها في بناء القاعدة القانونية التي تبث الحياة في القاعدة القانونية ولا تجعلها بعيدة عن حياة المجتمع الذي ستطبق عليه هذه القاعدة.
 واشاد مدير المركز الدولي للقانون والدراسات الدينية في جامعة بريجام يونغ الامريكية الدكتور برت سيتشارفز برؤية جلالة الملك عبد الله الثاني في بيان حقيقة وفهم تعاليم الدين الاسلامي من خلال اطلاق رسالة عمان التي جاءت بعد الهجوم الارهابي الذي تعرضت له مدينة نيويورك , واصبحت ارضية مشتركة ومصدرا اساسيا لمجموعة من المبادرات لتفعيل الكرامة الانسانية في العالم الاسلامي، مشيرا الى أهمية حوارات المؤتمر الذي يأتي كثمرة للتعاون والتبادل العلمي بين الجامعتين الاردنية وبريجام يونغ الامريكية والتي تمتد شراكتهما لأكثر من (40) عاماً , وتركز نشاطهما على بحث جوانب وقضايا مشتركة تهم الجانبين .
 ويعقد المؤتمر جلساته على مدار يومين يناقش خلالهما العديد من المواضيع المتعلقة بالمرتكزات الثلاثة لرسالة عمان، والنظرة الدستورية والقضائية للرسالة، ومعنى الجهاد من منظورها ، ورسالة عمان وحقوق الانسان وحماية الاقليات، ويناقش المؤتمر تنفيذ رسالة عمان والحلول الاسلامية لأمور الحرية، ودور الرسالة في كبح جماح التطرف الديني والارهاب ، اضافة الى اهمية استمرارها داخليا وخارجيا من خلال المبادرات في العالم العربي والاسلامي.